الأحد، 1 أكتوبر 2017

رجاء............فريزة سلمان


" يحدث أن نفصّل الأحلام على مقاسنا،و يحدث أن تجهضها الأقدار ، يحدث أن نغرد كالطيور أحراراً،ونسجن داخل الحلم رفضاً لواقعٍ معاش."
كانت جالسة باسترخاء على أريكة تقاوم السقوط لقدمها. في غرفة متواضعة الأساس تتحدث والمرارة بادية على قسماتها ،التي كانت تتشنج عند كل مفصل مؤلم من حكايتها.
إنّها " رجاء" سمراء أربعينية ،لها عيون مها،متوسطة القامة ،ممتلئة إلى حدٍّ ما،لا يخلو وجهها من مسحةِ جاذبيةٍ محييرة وآثرة.
ولكن سرً جمالها العيون بلا شك وهذا ما تُفق عليه.
أسألها : لما كلّ هذا الألم يارجاء ولما كل هذا القنوط ؟! اتركي مساحةً للفرح يعرّش في روحك،
ترمش بعينيها اللتين تزدادان جمالاً مع لمعة النور المنعكس منهما جراء دمعةٍ ،آيلةٍ للسقوط.
تضحك من بين الدموع وتقول: لديّ مخزونٌ لابأس به من عبور للفرح.
كانت حياتي كمحطة.وهو كان كمسافرٍ ترفٍ،مشاكس،ينثر كل عبيره ويغادر.
مسافرٌ كريمٌ باذخٌ في عطائه،يسكرني ويرحلً.
يبقى ذكرى ،أقتاتُ فتاته كلما ضجّ بي حنين.
أطلقتْ تنهيدةً حارة كافية لإنضاج رغيف،حدّ زعم زوجها الذي دخل وأبدى استيائه من حزنها.
رمقته بنظرةٍ حنون،وابتسامة مواربةوقالت لي
_ هذا فرحي الذي أخاف فقدانه مرةً ثانية.
انظري إليه ،كالطود تريه، هدوءه،سكينة روحه، صبره وجلده،أحياناً كثيرة أحسده عليهم.
تابعت حديثها،وطيف ابتسامة يشرق في وجهها،
_ اتعلمين؟! التقت أرواحنا لحظة التقت نظراتنا،وأيقنت أنه قدري،أنه نصفي الذي أبحث عنه،أيقنت أنه فرحي الآتي.
علّق زوجها الذي وصله بعض الحديث، وهو منزوٍ في ركن مطالعته المفضل على الشرفة يقرأ كتاباً لسعيد عقل." لقد أهديتك الفرح ،ودعوتك للتمسك به كالإيمان أتذكرين؟"
ردت عليه وهل أنسى؟!
نعم أذكره جيداً . هو من كان مصباحي في سرداب محنتي،وأمدّني بالصبر في غيابك.
سألتُ باستغراب ما قصة هذا الغياب ،مالذي حصل بينكما؟!
لم أعلم أن الوجع له لون وطعم إلا وأنا أستمع لها:
" منذ بدأتُ أحلم ،كانت أحلامي كأي أنثى،زوجٌ وبيتٌ وأولاد.
كانت أحلاماً وردية ،لامنغصات فيها،ألوانها تتراوح بين الزهري والأزرق لبيتٍ ريفي صغير بحديقة وأطفال يلعبون.
حين أتى اجتاح كياني كموج البحر،وأنا العطشى للمغامرة،ركبت موجه. كل شيءٍ فيه تلاقى مع أحلامي أنا التي ملّت الرتابة والطقوس في عائلةٍ متدينة حتى النخاع. أحسب كل كلمة، أو ضحكة، أو مجرد فكرة خار ج التابو المتوارثة ،خشية خدش قدسيتها. معه اكتشفت جمال ضحكتي ،وعرفت كم يليق بي الفرح. معه تناقشت بكل المواضيع ،التصقت به كظله،وأصبحنا واحداً لا اثنين،وكان لزاماً زواجنا." انسحب من ركنه وإعياءٌ يرافق قسماته،فالرواية أصبحت جلاده الذي مابرح ذاكرته ولم يسقط بالتقادم. اكملت رجاء كلامها وكأنها آلة تسجيل تعيد سرد الوقائع،كما حدثت،مع تلوّن في مشاعرها بين الفرح والقنوط والرجاء. " تقدم لي ورُفض رغم ثقافته، لأفكاره التي تخالف الجماعة في مجتمع عربي يقوم على القمع وكم الأفواه ،لكن اصرارنا حقق لنا نصراً مؤقتاً على مستوى آمالنا الفردية،ضمن الأسرة على الأقل وتزوجنا. تنحى كوكب الزهرة عن سماءنا وترك لزحل مكانه الذي جاء وسقط كالسيف بيننا،ذات صباح خريفي، ،ودخلنا فم الغياب ردحاً من الزمن. حينها عرفت مساوئ السياسة،التي أجهضت أحلامي كلها ، وها أنا رهينة علبة كبريت بألوان باهتة،وخسارات لاتقدر بثمن . أولها شبابي الذي ضاع في انتظار الفرح، الذي أتى كسيلٍ عبرني،بكل الزخم،وتركني طريحة الانتظار. وعندما عاد ،عاد ينقصه الألق،وتطارده أشباح الماضي" . لا ندم يعتريني إنما جرح ينز بين الفينة والأخرى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق