الثلاثاء، 4 أبريل 2017

جُـمـوعُ الدَّجاج ===========------------- الشاعر حسن منصور --


حَـياةٌ تُحاكي حَـياةَ الــنِّعــاجْ || وإنْ شئْتَ قُلْ: بلْ حَــياةَ الدَّجـاجْ
لأنَّ الـنِّعــاجَ تَروحُ وتَغْـــدو || فَتُبْصرُ في السّيْرِ بعْضَ انْفِـراجْ 
وأمّا الدّجاجُ فـلَــمْ تَـكُ تَسْعى || ولَيسَ لَهـا في البَساتينِ مَــرعى 
وَليْسَ لَــــدَيْهــا مَجـالٌ فَسـيحٌ || فَــتَأْلـَمُ قَـهْـــراً وتَأْلَـمُ جَــوْعـــى 
تَبـيـتُ بأَقْــفـاصِهــا في أَنيــنْ || وَيسْمـعُـهــا مَـنْ بِهـا يَسْـتَهــيـنْ 
فَيُسْرعُ يَمْحــو ضِـياءَ الصّباح|| وَيُغْـلــقُ أبْوابَ تلـكَ السُّـجــونْ 
فَلا الصّوتُ يَخْرجُ مِن حَلْقِـهــا|| ولا صَـرْخـةُ (الآهِ) مِنْ حَـقِّـها 
وسَـجّـانُهـا هُــوَ جـــزّارُهـــــا || مَــتى شاءَ أبْدعََ في صَعْـقِـــهـا 
وأقْـفاصُهــا طَـبَقــاتٍ تَراهــــا || فَـتَحْسَبُهــا أنْجُـمــاً في سَمـاهـا 
فلا هِيَ في الأرْضِ تَحْيا وتَبْقى||ولا هِيَ في الْجَــوِّ تَلْـقى مُـناها 
وتَنــظُـــرُ أسْـفـلَ حَـــتّى تَرى || لِتـبـْحَـثَ عنْ حَــبَّـةٍ في الـثَّرى 
فـلَـمْ تَدْرِ شَـيْـئًا يُسـمّى العُــلى || ولا فَهِـمَـــتْ ما تَكــونُ الـذُّرى 
فإنْ شاهَدَتْ (قَمْحَةً) فهْيَ تُبْهَرْ|| وتَهْـوي عَـلـيْــهــا ولا تَـتَـأخَّــر
وتَـنْـبِـشُ كلَّ الــزَّوايـا هُــناكَ || لَعـلَّ الكَـثيرَ مِنَ القَـمحِ يَظْـهَــرْ 
وتَلهَــثُ وهْـيَ تُـفـتِّـشُ عَـــنْهُ || إلَــى أنْ تَـكِـلَّ وتَـيْــأَسَ مــــنهُ
فَـتـنْـدُبُ حـظّاً تَعيساً عَـراهـا || ووَيْـلٌ لِمَـنْ حَـظُّــهُ لَـمْ يُعِـــنْـهُ!
ويَـصْـرُخُ سَـجّـانُهــا بِتَـشَـفِّ || إذا شِـئْتِ زيدي وإنْ شِئْتِ كُفّي 
فـلَـنْ تَجِــدي حَــبَّـةً تَأْكُلــيـنَ || سـوى ما أَجــودُ عَـلــيكِ بِكَــفّي
فإنْ شِئْتُ زِدْتُكِ مِنّي طَعـاما || وإنْ شـئتُ زدتُـكِ مـنّي سَـقـامـا 
وعُمرُكِ رهْـنٌ بِما أرْتَضــيهِ || إذا شئْتُ عَـفْــوًا وإِلاّ انْـتِـقــامـا 
إِذا كُنتِ تَبْغــينَ أَلاّ تّجـوعي || فَـكــونِي لأَمْــري كَعَـبْدٍ مُـطـيعِ 
ولا تَحْلُمي أنَّ صوْتَكِ يُجْدي || إذا ما صَرَخْــتِ بِهـذا القَـطـيعِ!
وأقْصى مُناكِ الطّعامُ الطّعـامْ || كُلـي ثُمّ نـامي فَـنِـعْــمَ الْـمَــنـام!
ولا تَحْــلُــمي أنْ تَنـالِي سِواهُ || إذا نِـلْــتِه نِـلْــتِ كلَّ الْــــمَــرامْ 
ولا تَحْـلُمي بِالْخُروجِ القَريبْ || ولا لَــكِ حُـرِّيَّـةٌ فِي الْـهُــروبْ 
ومَهْما صَرخْتِ ومَهْما عَمِلْتِ|| فـلـيْسَ لِصوْتِ الدَّجاجِ مُجـيـبْ 
وإنْ قــامَ ديـكٌ يُــؤَذِّنُ فــيـكِ || لـكيْ تَغْــدُري بالّـذي يَـقْـتَـنـيـكِ 
فَـلـسْتُ أُجــازيهِ فَـرْداً وَلكنْ || سَـأَذبَحُ مــنْ أَجْــلـهِ كُــلَّ ديـــكِ 
وصَــوْتُ الدُّيوكِ قَبيحٌ عَـقيمْ || وَيَجْـرَحُ سَمْـعي كَـنارِ السَّـمومْ 
ويُزْعِـجُ نَوْمَـكِ وهـوَ يُنـادي || على الشّمْسِ في جَوْفِ ليْلٍ بَهيمْ 
بِلا مِــخْــلَــبٍ وَبِلا مِـنْـسَــرِ || يَعـيـشُ الـدَّجــاجِ عــلى الأَكْــدَرِ
يُسالِمُ خَصْـماً ظَلوماً غَشوماً || وَليـسَ يُـقــــاوِمُ أوْ يَـجْــــتَــري 
وإنَّ الـدَّجاجَ لَـطَـيْرٌ ضَعيفُ || ولـيسَ لـدَيْــهِ سِــلاحٌ مُـخـــيـفُ 
وهـــذا الــعَــــدُوُّ وَسِـكّـيـنُـهُ || سَـتَـبْـقى بِكُلِّ الرِّقـابِ تَـطـــوفُ 
جُـموعُ الدَّجـاجِ تَنامُ وتَحْـلُـمْ ||وكابوسُ رُعْبٍ عَلى الصَّدرِ يَجْثُمْ 
ولكــنَّ ثـأْرًا لَـهـــا لا يَـنــام ُ|| يَـضِـجُّ بِـأَعْــمــاقِـــهــا ويُدَمْـــدِمْ 
تَـمَــلْــمَـلَ ثُمّ تَـفَـجّـــرَ نـارا || أحــالَ الـظّـلامَ الـقَـبـيـحَ نَهـــارا 
وَزَلْزَلَ كلَّ الطُّيورِ فَـقامَـتْ || تَبـيـعُ الْحَـياةَ وتَـجْـني انْـتِـصـارا 
وصاحَتْ بِصوْتٍ قوِيٍّ جَديدْ|| تُـحَـطِّــمُ أقْــفـاصَهــا والْـحَــديـدْ 
تُحَــلِّقُ في الْجَوِّ فَهْيَ نُسورٌ || مَخالِـبُهــا في عُـيــونِ (القــرودْ) 
جُموعُ الطُّيورِ سُيولُ نسورِ || ولَمْ يَحْــتَجِـزْ دَفْـقَــهـا أيُّ ســورِ 
وسَجّـانُهـا فَــرَّ مـنْ دَرْبِهــا || كَـمـا فَــرَّ كـلــبٌ أمــامَ الـزَّئــيِـر 
نُسورٌ مَـضى سَـيْلُهـا يَتدفَّقْ || يَـدوسُ الـكلابَ ولا يَـتــرَفَّــــــقْ 
يُمَـزِّقُــهــا بِالْمَـــخـالِبِ إرْباً || وَيـفــْتَـحُ دَرْباً بِهــا كانَ يُغْــلَــقْ 
ومرَّتْ جُـموعُ الدَّجاجِ تُغَنّي|| إلَى غَــدِها بَعـدَ طــولِ التّـمَــنّي 
لِتصْنعَ دُنْيا تُراعي الضّعيفَ|| وتُعْـطــيهِ حَـــقَّ الْحَــياةِ بِـأَمْــنِ.
***************************************** 
الشاعر حسن منصور
من المجموعة العاشرة، ديوان (تقاسيم على مسيرة الزمن) ط1ـ 20144م ـ دار أمواج (في عمّان) ص39.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق